فصل: الطرف الثاني في حدوده وابتداء عمارته وتسميته شاماً:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)



.الطرف الثاني في حدوده وابتداء عمارته وتسميته شاماً:

وفيه مقصدان:
المقصد الأول في حدوده:
وقد اختلف في تحديده، فذكر في التعريف أن حده من القبلة إلى البر المقفر: تيه بني إسرائيل وبر الحجاز والسماوة إلى مرمى الفرات بالعراق. قال: وهذه المحادات كلها من جزيرة العرب.
وحده من الشرق طرف السماوة والفرات.
وحده من الشمال البحر الرومي.
وحده من الغرب حد مصر المتقدم ذكره، وذكر في تقويم البلدان:
أن حده من أول رفح التي في الجفار بين مصر والشام إلى حدود تيه بني إسرائيل إلى ما بين الشوبك وأيلة من البلقاء؛ وحده من الشرق من البلقاء إلى مشاريق صرخد، آخذاً على أطراف الغوطة، إلى سلمية، إلى مشاريق حلب، إلى بالس؛ وحده من الشمال من بالس مع الفرات إلى قلعة نجم، إلى البيرة، إلى سميساط إلى حصن منصور، إلى بهنسى، إلى مرعش، إلى بلاد سيس، إلى طرسوس، إلى بحر الروم؛ وحده من الغرب من طرسوس المذكورة آخذاً على ساحل البحر الرومي إلى رفح المتقدمة الذكر حيث وقع الابتداء.
قلت: والخلف بينهما في شيئين: أحدهما انه في التعريف جعل حده الشمالي إلى البحر الرومي، وحده الغربي حد مصر المتقدم ذكره، وفي تقويم البلدان جعل حده الشمالي البلاد التي بين الفرات والبحر الرومي، وحده الغربي البحر الرومي من طرسوس إلى رفح فيدخل حد مصر الذي حد به الجانب الغربي في التعريف في هذا الحد، وكأن الموقع لهما في ذلك أن البحر الرومي عن الشام غرباً بشمال، فجنح كل منهما إلى جهة.
الثاني أنه في تقويم البلدان أدخل بلاد الأرمن المتصلة بآخر بلاد حلب من الشمال في حدود الشام، وفي التعريف أخرجها وهو التحقيق. وقد صرح بذلك في التعريف فيما بعد فقال بعد أن أفرد الفتوحات الجاهانية التي هي أول بلاد الأرمن من جهة حلب بالذكر: وأتيت بها ههنا إذ لم يكن لها تعلقٌ بمملكة تذكر فيها، وليست من الشامات في شيء وإنما هي من بلاد الأرمن المسماة قديماً ببلاد العواصم والثغور، وسيأتي الكلام على بلاد الأرمن بمفردها في جملة أعمال حلب في الكلام على قواعد المملكة الشامية إن شاء الله تعالى.
على أن ما ذكره من التحديد في التعريف وتقويم البلدان لا يخلو عن تساهل، فقد قال في التعريف بعد ذكر الحدود التي أوردها: وهذه الحدود هي الجامعة على ما يحتاج إليه، وإذا فصلت إلى زيادة إيضاح.
وقال في تقويم البلدان بعد ذكر الحدود التي أوردها أيضاً: وبعض هذه الحدود قد تقع شرقيةً عن بعض الشام وهي بعينها جنوبية عن بعض آخر، مثل البلقاء فإنها جنوبيةٌ عن حلب وما على سمتها، وشرقيةٌ عن مثل غزة وما على سمتها فليعلم العذر في ذلك.
قال ابن حوقل: وطول الشام من ملطية إلى رفح خمس وعشرون مرحلة. فمن ملطية إلى منبج أربع مراحل، ومن منبج إلى حلب مرحلتان، ومن حلب إلى حمص خمس مراحل، ومن حمص إلى دمشق خمس مراحل، ومن دمشق إلى طبرية أربع مراحل، ومن طبرية إلى الرملة ثلاث مراحل، ومن الرملة إلى رفح مرحلتان.
قال التيفاشي في سرور النفس: وطوله أكثر من شهر. قال ابن حوقل: وأعرض ما فيه طرفاه. فأحد طرفيه من الفرات من جسر منبج على منبج على قورس في حد قنسرين؛ ثم على العواصم في حد إنطاكية، ثم يقع على جبل اللكام، ثم على المصيصة، ثم على أذنة، ثم على طرسوس، وذلك نحو عشر مراحل وهذا هو السمت المستقيم. والطرف الآخر يأخذ في البحر من حد يافا من جند فلسطين حتى ينتهي إلى الرملة إلى بيت المقدس، ثم إلى أريحا، ثم إلى زغر، ثم إلى جبل الشراة إلى أن يأتي إلى معان، وتقدير ذلك ست مراحل. ثم قال: أما ما بين هذين الطرفين من الشام فلا يكاد بين الأردن ودمشق وحمص يزيد على أكثر من ثلاثة أيام، لأن من دمشق إلى طرابلس على بحر الروم غرباً يوماً وإلى أقصى الغوطة شرقاً حتى يتصل بالبادية يوماً، ومن حمص إلى أنطرطوس على بحر الروم غرباً يومين، ومن حمص إلى سلمية على البادية شرقاً يوماً، ومن طبرية من جند الأردن إلى صور على البحر الرومي غرباً يوماً، ومنها إلى أريحا على حدود بني فزارة شرقاً يوماً.
المقصد الثاني في ابتداء عمارته وتسميته شاماً وما يلتحق بذلك:
أما ابتداء عمارته، فقد روى الحافظ بن عساكر في تاريخ الشام عن هشام ابن محمد عن أبيه: أن نوحاً عليه السلام لما قسم الأرض بين بينه لحق قوم من بني كنعان بن حام بن نوح عليه السلام بالشام فسميت الشام، حين تشاءموا إليها، يعني من أرض بابل كما جاء في الرواية الأخرى. قال: فكانت الشام يقال لها لذلك أرض كنعان: وجاء بنو إسرائيل فأجلوهم عنها، وبقيت الشام لبني إسرائيل إلى أن غلب عليه الروم وانتزعوه منهم فأجلوهم إلى العراق إلا قليلاً منهم، ثم جاء العرب فغلبوا على الشام يعني في الفتح الإسلامي ثم الشام مهموز مقصور.
قال النوري في تهذيب الأسماء واللغات وغيره: ويجوز فيه فتح الشين والمد. قال: وهي ضعيفة وإن كانت مشهورة قال الجوهري: ويجوز فيه التذكير والتأنيث. قال النوري: والمشهور التذكير. وقد اختلف في سبب تسميته شاماً فقيل لتشاؤم بني كنعان إليه كما تقدم في كلام ابن عساكر، وقيل سمي بسام بن نوح لأنه نزل به، واسمه بالسريانية شام بشين معجمة، والعرب تنقلها إلى السين المهملة. وقيل لأن أرضه مختلفة الألوان بالحمرة والسواد والبياض فسمي شاماً لذلك كما يسمى الخال في بدن الإنسان شامة. وقيل سميت شاماً لأنها عن شمال الكعبة، والشام لغة في الشمال. قال أبو بكر بن محمد: ويجوز فيه وجهان، أحدهما أن يكون من اليد الشؤمى وهي اليسرى، والثاني أن يكون فعلاً من الشؤم.

.الطرف الثالث في أنهاره وبحيراته وجباله المشهورة وزروعه وفواكهه ورياحينه ومواشيه ووحوشه وطيوره:

وفيه ستة مقاصد:
المقصد الأول في ذكر الأنهار العظام بالشام وما هو مضاف إليه مما يتكرر ذكره بذكر البلدان:
وهي أربع أنهار الأول نهر الفرات وهو أعظمها، وقد تقدم في الكلام على النيل أنه شقيقه في الخروج من الجنة. وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب فيقتتل الناس عليه فيقتتل من كل مائة تسعة وتسعون، ويقول كل رجل منهم لعلي أنا الذي أنجو به» وأول ابتدائه من شمالي مدينة أرزن الروم وشرقيها، وهي آخر بلاد الروم من جهة الشرق حيث الطول أربعٌ وستون درجة والعرض اثنتان وأربعون درجة ونصفٌ، ثم يأخذ إلى قرب ملطية ثم يأخذ إلى سميساط ثم يأخذ مشرقاً ويتجاوز قلعة الروم من شماليها وشرقيها، ثم يسير إلى البيرة من جنوبيها، ثم يمر مشرقاً حتى يجاوز بالس، ثم قلعة جعبر ويتجاوزها إلى الرقة، ثم يسير مشرقاً ويتجاوز الرحبة من شماليها ويسير إلى عنة، ثم يمتد إلى هيت، ويمتد حتى يجاوز مخرج نهر كوثى الآتي ذكره، فينقسم قسمين ويمر أحدهما: وهو الجنوبي إلى الكوفة ويتجاوزها، ويصب في بطائح العراق، ويمر الآخر: وهو أعظمها بإزاء قصر ابن هبيرة ويعرف هذا القسم بنهر سورا بضم السين المهملة وآخره ألف يمد ويقصر وهي قرية على النهر نسب إليها، ويتجاوز قصر ابن هبيرة ويسير جنوباً إلى مدينة بابل القديمة، ويتفرع منه بعد أن يجاوز بابل عدة أنهر، ويمر عموده إلى مدينة النيل ويجاوزها حتى يصب في دجلة ويسمى من بعد مجاوزة النيل نهر الصراة. وعلى الفرات أنهار تصب فيه وأنهار تخرج منه ليس بنا حاجة إلى تفصيلها.
الثاني نهر حماة: ويسمى العاصي لأن غالب الأنهار تسقي الأرض بغير دواليب ولا نواعير بل تركب البلاد بأنفسها، ونهر حماة لا يسقي ويسمى العاصي لأن غالب الأنهار تسقي الأرض بغير دواليب ولا نواعير بل تركب البلاد بأنفسها، ونهر حماة لا يسقي لا بنواعير تنزع الماء منه، ويسمى أيضاً النهر المقلوب: لجريه من الجنوب إلى الشمال، وغالب الأنهر إنما تجري من الشمال إلى الجنوب، واسمه القديم نهر الأرنط، وأوله نهر صغير من ضيعة قريبة من بعلبك في الشمال عنها على نحو مرحلة، تسمى الرأس ويمتد من الرأس شمالاً حتى يصل إلى مكان يسمى قائم الهرم بين قرية جوسية والرأس، ويمر في وادٍ هناك وينبع من هناك أكثر ماء النهر من موضع يسمى مغارة الراهب، ويمتد شمالاً حتى يتجاوز جوسية ويمتد حتى يصب في بحيرة قدس غربي حمص، ويخرج من البحيرة ويتجاوز حمص إلى الرستن، ويمتد إلى حماة، ثم إلى شيزر، ثم إلى بحيرة أفأمية، ثم يخرج من بحيرة أفأمية، ويمر على دركوش، ويمتد إلى جسر الحديد، وذلك جميعه شرقي جبل اللكام. فإذا وصل إلى جسر الحديد انقطع الجبل المذكور هناك، ويستدير النهر المذكور ويرجع ويسير جنوباً بغرب ويمر على سور أنطاكية، ويسير كذلك مغرباً بجنوب حتى يصب في بحر الروم عند السويدية.
ويصب في العاصي عدة أنهر: منها: نهر منبعه من تحت أفأمية يسير مغرباً حتى يصل إلى بحيرة أفأمية ويختلط بالعاصي.
ومنها: نهر في شمال أفأمية على نحو ميلين يعرف بالنهر الكبير يسير مدىً قريباً ويصب في بحيرة أفأمية، ويخرج منها مع العاصي.
ومنها: النهر الأسود، ويجري في الشمال ويمر تحت دربساك ويمتد حتى يصب في بحيرة أنطاكية ويخرج منها ويصب في العاصي.
ومنها: نهر يغرا- بفتح الياء المثناة تحت وسكون الغين المعجمة وفتح الراء المهملة ثم ألف مقصورة- بلدة هناك يمر عليها ويصب في النهر الأسود المذكور.
ومنها: عفرين- بكسر العين المهملة وسكون الفاء وكسر الراء المهملة ثم ياء مثناة تحت ونون في الآخر- وهو نهر يأتي من بلاد الروم ويمر على الرواندان إلى الجومةويمر في الجومة إلى العمق ويختلط بالنهر الأسود.
الثالث نهر الأردن. والأردن بضم الهمزة وسكون الراء المهملة وضم الدال المهملة أيضاً وتشديد النون. كذا ضبطه السمعاني في اللباب قال: وهي بلدة في بلاد الغور من الشام نسب إليها النهر ويسمى الشريعة أيضاً، وأصله من أنهار تصب من جبل الثلج إلى بحيرة بانياس، ثم يخرج من البحيرة المذكورة ويصب في بحيرة طبرية، ويمتد جنوباً، وهناك يصب في اليرموك بين بحيرة طبرية المذكورة وبين القصير، ويمتد في وسط الغور جنوباً حتى يجاوز بيسان، ويمتد في الجنوب كذلك إلى أريحا، ولا يزال يمتد في الجنوب حتى يصب في بحيرة زغر وهي البحيرة المنتنة المعروفة ببحيرة لوط.
الرابع نهر العوجاء- بفتح العين المهملة وسكون الواو وفتح الجيم وبعدها الألف- ويسمى أبي فطرس بضم الفاء وبالطاء والراء والسين المهملات وهو نهر شمالي مدينة الرملة من فلسطين باثني عشر ميلاُ، ومنبعه من تحت جبل الخليل عليه السلام مقابل قلعة خراب هناك تسمى مجد اليابا، ويجري هذا النهر من الشرق إلى الغرب، ويصب في بحر الروم جنوبي غابة أرسوف، ومن منبعه إلى مصبه دون مسفة يوم. قال في العزيزي: وما التقى عليه جيشان إلا غلب الغربي وانهزم الشرقي؛ وسيأتي الكلام على أنهار دمشق في الكلام على حاضرتها إن شاء الله تعالى إذ لا يتعداها إلى غيرها من البلاد.
الخامس نهر جيحان. بفتح الجيم وسكون الياء المثناة تحت وفتح الحاء المهملة وبعد الألف نون- وتسميه العامة جهان- بجيم وهاء مفتوحتين وألف وثم نون، وربما زادوا ألفاً بعد الجيم فقالوا جاهان، وإليه تنسب الفتوحات الجاهانية الآتي ذكرها. قال: في رسم المعمور: وأوله عند طول ستين درجةً وعرض أربعين درجةً، وهو نهرٌ يقارب الفرات في الكبر، ويمر بسيس، ويسير من الشمال إلى الجنوب بين جبال في حدود الروم حتى يبلغ المصيصة من شماليها حيث الطول تسع وخمسون وكسر والعرض ست وثلاثون درجةً، وعرض خمس عشرة؛ وجريانه عندها من المشرق إلى المغرب، ويتجاوز المصيصة ويصب بالقرب منها في بحر الروم.
السادس نهر سيحان. بفتح السين المهملة وسكون الياء المثناة تحت وفتح الحاء المهملة وبعدها ألف ونون. قال في رسم المعمور: وأوله عند طول ثمان وخمسين، وعرض أربع وأربعين؛ ويمر ببلاد الروم إلى الجنوب عند مجرى جيحان المتقدم ذكره، ويسير حتى يمر ببلاد الأرمن، ويمر على سور أذنة من شرقيها حيث الطول تسع وخمسون بغير كسر، والعرض ست وثلاثون درجة وخمسون دقيقةً، ويتجاوز أذنة ويلتقي مع جيحان المتقدم ذكره ويصيران نهراً واحداً، ويصبان في نهر الروم بين آياس وطرسوس على ما تقدم ذكره.
المقصد الثاني في ذكر بحيراته:
وهي ثمان بحيرات:
الأولى: بحيرة طبرية:
قال الزجاجي: سميت طبرية بطباري ملك من ملوك الروم، وهي في أول الغور، يدخل إليها نهر الشريعة المنصب في بحيرة بانياس الآتي ذكرها، ودورها نحو مسيرة يومين، ووسطها حيث الطول ثمان وخمسون درجة، والعرض اثنتان وثلاثون، وهي قرعاء، ليس بها قصب نابت.
وطبرية مدينةٌ خرابٌ على شاطىء البحيرة المذكورة من جانبها الغربي، قال العثماني في تاريخ صفد: ويقال إن قبر سليمان بن داود عليهما السلام بهذه البحيرة.
الثانية بحيرة زغر وتعرف ببحيرة سدوم وبحيرة لوط، وهي بحيرة منتنة ليس لها سمك ولا يأوي إليها طير، وفيها مصب نهر الأردن المسمى بالشريعة عند نهايته، ويغيض الماء فيها ولا يخرج منها شيء من الأنهار، وهي في آخر الغور من جهة الجنوب، ودورها فوق مسيرة يومين، ووسطها حيث الطول تسع وخمسون درجة والعرض إحدى وثلاثون.
الثالثة بحيرة بانياس. وهي بحيرة بالقرب من بانياس من مقابلة دمشق تصب فيها عدة أنهار من جبلٍ هناك، ويخرج منها نهر الشريعة ويصب في بحيرة البرية المتقدم ذكرها، وبها غابة قصب.
الرابعة بحيرة البقاع. وهي مستنقع ماء في جهة الغرب عن بعلبك على مسيرة يوم منها. بها هيش وغابات قصب.
الخامسة بحيرة دمشق. وهي بحيرة في شرقي غوطة دمشق بميلة يسيرة إلى الشمال يصب إليها فضلة نهر بردى وغيره، وتتسع في أيام الشتاء وتضيق في أيام الصيف، وبها غابات قصب، وفيها أماكن تحمي من العدو.
السادسة بحيرة قدس. بفتح القاف والدال وفي آخرها سين مهملة.
وهي بحيرة في أرضٍ مستوية، عن حمص في جهة الغرب على بعض يوم منها، وطولها من الشمال إلى الجنوب نحو ثلث مرحلة وفي طرفها الشمالي سد ممتد في طولها مبني بالحجر من بناء الأوائل ينسب بناؤه إلى الإسكندر طوله شرقاً وغرباً ألف ومائتان وسبعة وثمانون ذراعاً، وعرضه ثمانية عشر ذراعاً ونصف ذراع، وعلى وسط السد برجان من حجر أسود.
السابعة بحيرة أفأمية. وهي عدة بطائح في الغرب بميلة إلى الشمال عن أفأمية بين غابات من القصب، يصب فيها النهر العاصي من جهة الجنوب. وبها بحيرتان جنوبية وشمالية يصاد فيهما السمك، فالجنوبية منهما بحيرة أفأمية المذكورة، وسعتها بالتقريب نحو نصف فرسخ، وقعرها قريب قامة، وأرضها موحلة لا يقدر الإنسان على الوقوف فيها، وبوسطها جمم قصب وبردي وحولها القصب والصفصاف، وبها أنواع الطير ما لا يحصى كثرةً، وينبت بها في زمن الربيع اللينوفر الأصفر حتى يستر الماء عن آخره بورقه وزهره. والبحيرة الشمالية من عمل حصن برزوية بقدر بحيرة أفأمية أربع مرات، ووسطها مكشوف، وينبت اللينوفر بجانبيها الجنوبي والشمالي وبينها وبين بحيرة أفأمية المذكورة زقاق تسير فيه المراكب من إحداها إلى الأخرى. قال في تقويم البلدان: ويعتبر طول هذه البطائح وعرضها بأفأمية.
الثامنة بحية أنطاكية. وهي بحيرة بين أنطاكية وبغراس وحارم في أرض تعرف بالعمق بفتح العين المهملة وسكون الميم من معاملة حلب شمالي أنطاكية على مسيرة يومين من حلب في جهة الغرب عنها. وفيها مصب نهر عفرين والنهر الأسود ونهر يغرا المتقدم ذكرها، ودورها نحو مسيرة يوم، وآجام القصب محيطةٌ بها وفيها من الطير والسمك نحو ما تقدم ذكره في بحيرة أفأمية. قال في تقويم البلدان: وطولها طول أنطاكية تقريباً، وعرضها أكثر من عرضها بدقائق.
المقصد الثالث في ذكر جباله المشهورة التي يتعلق بها كثير من المقاصد:
وهي عدة أجبل:
منها: جبل الثلج بالثاء المثلثة والجيم، وما يتصل به:
قال في تقويم البلدان: والطرف الجنوبي لهذا الجبل بالقرب من صفد. قال في رسم المعمور حيث الطول تسع وخمسون درجة وخمس وأربعون دقيقة، والعرض اثنتان وثلاثون درجة. قال في تقويم البلدان: ثم يمتد إلى الشمال ويتجاوز دمشق. فإذا صار في شماليها، سمي جبل سنير ويسمى جانبه المطل على دمشق جبل قاسيون ويتجاوز دمشق ويمر غربي بعلبك، ويسمى الجبل المقابل لبعلبك جبل لبنان بلام مكسورة وباء موحدة ساكنة ونون مفتوحة بعدها ألف ونون ثانية- وإذا تجاوز بعلبك وصار شرقي طرابلس سمي جبل عكارٍ بعينٍ مهملة مفتوحة وكاف مشددة وراء مهملة في الآخر- إضافة إلى حصنٍ بأعلاه يسمى عكاراً، ثم يمر شمالاً ويتجاوز طرابلس إلى حصن الأكراد من عمل طرابلس، ويسامت حمص من غربيها على مسيرة يوم ويمتد حتى يجاوز سمت حماة، ثم سمت شيرز، ثم سمت أفأمية، ويسمى قبالة هذه البلاد جبل اللكام بضم اللام. قال في رسم المعمور: وجبل اللكام يمتد إلى أن يصير بينه وبين جبل شحشبو، اتساعه نصف يوم حتى يتجاوز صهيون والشغر وبكاس والقصير؛ وينتهي إلى أنطاكية فينقطع هناك ويصير قبالة جبال الأرمن.
قال في تقويم البلدان: ويقابل جبل اللكام المذكور عند مسامتته لأفأمية المتقدمة الذكر جبلٌ آخر من شرقيه، يسمى جبل شحشبو يشين معجمة مفتوحة وحاء مهملة ساكنة وشين ثانية مفتوحة بعدها باء موحدة مضمومة ثم واو- إضافة إلى قرية هناك تسمى بذلك، ويمر من الجنوب إلى الشمال على غربي المعرة وسرمين وحلب، ثم يأخذ غرباً ويتصل بجبال الروم.
ومنها: جبل عاملة وهو جبل ممتد في شرقي ساحل بحر الروم وجنوبيه، حتى يقرب من مدينة صور، وعليه شقيف أرنون، نزله بنو عاملة بن سبإٍ من عرب اليمن عند تفرقهم بسيل العرم فعرف بهم.
ومنها: جبل عوف وهو جبل بالقرب من عجلون. كان ينزله قوم من بني عوف من جرم قضاعة فعرف بهم، وكانوا عصاةً لا يدخلون تحت طاعة حتى بنى عليهم أسامة أحد أمراء السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب قلعة عجلون فدخلوا تحت الطاعة على ما سيأتي ذكره.
ومنها جبل الصلت إضافة إلى مدينة الصلت الآتي ذكرها في أعمال دمشق. وهو جبل في شرقي جبل عوف وشماليه، كان أهله عصاةً حتى بنى عليهم المعظم عيسى بن العادل حصن الصلت فدخلوا في الطاعة.
المقصد الرابع في ذكر زروعه وفواكهه ورياحينه:
أما زروعه فغالبها على المطر. قال في مسالك الأبصار: ومنها ما هو على سقي الأنهار وهو قليل، وفيه الحبوب من كل ما يوجد في مصر من البر والشعير والذرة والأرز والباقلا والبسلة والجلبان، واللوبياء والحلبة، والسمسم والقرطم، ولا يوجد فيه الكتان والبرسيم، وبه من أنواع البطيخ والقثاء ما يستطاب ويستحسن، وكذلك غيرها من المزدرعات كالقلقاس والملوخيا والباذنجان واللفت والجزر والهليون والقنبيط والرجلة والبقلة اليمانية، وغير ذلك من أنواع الخضروات المأكولة؛ وقصب السكر في أغواره إلا أنه لم يبلغ في الكثرة حد مصر.
وأما فواكهه، ففيه من كل ما يوجد في مصر كالتين والعنب والرمان والقراصيا والبرقوق والمشمش والخوخ- وهو المسمى بالدراقن- والتوت والفرصاد، ويكثر بها التفاح والكمثرى والسفرجل مع كونها أكثر أنواعاً وأبهج منظراً، ويزيد عليه فواكه أخر لا توجد بمصر، وربما وجد بعضها في مصر على الندور الذي لا يعتد به كالجوز والبندق والإجاص والعناب والزعرور، والزيتون فيه الغاية في الكثرة، ومنه يعتصر الزيت وينقل إلى أكثر البلدان وغير ذلك، وبأغوارها أنواع المحمضات كالأترج والليمون والكباد والنارنج ولكنه لا يبلغ في ذلك حد مصر، وكذلك الموز ولا يوجد البلح والرطب فيه أصلاً. قال في مسالك الأبصار: وفيه فواكه تأتى في الخريف وتبقى إلى الربيع كالسفرجل والتفاح والعنب.
وأما رياحينه، ففيه كل ما في مصر من الآس والورد والنرجس والبنفسج والياسمين والنسرين، ويزيد علىمصر في ذلك خصوصاً الورد حتى إنه يستقطر منه ماء الورد وينقل منه إلى سائر البلدان. قال في مسالك الأبصار: وقد نسي به ما كان يذكر من ماء ورد جور ونصيبين.
المقصد الخامس في ذكر مواشيه ووحوشه وطيوره:
أما مواشيه ففيه جميع ما تقدم من مواشي مصر من البغل والبقر والغنم والخيل والبغال والحمير، إلا أن أبقاره لا تبلغ في العظم مبلغ أبقار مصر، وأغنامه لا تبلغ في طيبة اللحم مبلغ أغنامها، وحميره لم تبلغ في الفراهة مبلغ حميرها.
وأما وحوشه، ففيه الغزلان والأرانب والأسود وكثير من أنواع الوحوش المختلفة مما لا يوجد مثله في مصر.
وأما طيوره، ففيه الإوز والدجاج والحمام وأنواع طيور الماء المختلفة الأنواع. قال في مسالك الأبصار: ولا تكون الفراريج فيها إلا بحضانة ولا تنجع فيها المعامل التي تعمل لإخراج الفراريج في مصر. قال: ويذكر أن رجلاً من أهل مصر عمل فيها معملاً في حاضرة العقيبة فصعد له العمل فيه في الصيف دون الخريف.
المقصد السادس في ذكر النفيس من مطعوماتها:
فيها العسل بقدر متوسط، ويعمل فيها السكر الوسط والمكرر، والشراب موجود فيها دون مصر، وأكثر حلواها من العسل والمن.